-3- 10 – باب: قصة يأجوج ومأجوج، وقول الله تعالى: {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض}.
قول الله تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا. إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا. فأتبع سببا – إلى قوله – آتوني زبر الحديد} واحدها زبرة وهي القطع {حتى إذا ساوى بين الصدفين} يقال عن ابن عباس: الجبلين، والسدين الجبلين {خرجا} أجرا {قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطرا} أصبب عليه رصاصا، ويقال: الحديد، ويقال: الصفر. وقال ابن عباس: النحاس. {فما اسطاعوا أن يظهروه} يعلوه، اسطاع استفعل، من طعت له، فلذلك فتح أسطاع يسطيع، وقال بعضهم: استطاع يستطيع. {وما استطاعوا له نقبا. قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء} ألزقه بالأرض، وناقة دكاء لا سنام لها، والدكداك من الأرض مثله، حتى صلب من الأرض وتلبد. {وكان وعد ربي حقا. وتركنا لعضهم يومئذ يموج في بعض} /الكهف: 83 – 99/. {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون} /الأنبياء: 96/. قال قتادة: حدب أكمة، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيت السد مثل البرد المحبر، قال: (رأيته).
3168 – حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير: أن زينب بنت أبي سلمة حدثته، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش رضي الله عنهن:
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه). وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث).
3169 – حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا وهيب: حدثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فتح الله من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا). وعقد بيده تسعين.
3170 – حدثني إسحاق بن نصر: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش: حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد). قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: (أبشروا، فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألفا. ثم قال: والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود).
[ش (يأجوج ومأجوج) قيل في بيانهما أقوال كثيرة، والظاهر – والله أعلم – أنهما أمتان من البشر، كثير عددهم، كبير شرهم وفسادهم، حبسهم الله عز وجل في جزء من أرضهم، رحمة ببقية خلقه، وسيخرجون في يوم من الأيام، ويكون خروجهم علامة من العلامات القريبة لقيام الساعة، أعاذنا الله تعالى من شرها وحمانا من ويلاتها، وحفظنا من المفسدين في الأرض في كل زمان ومكان.
(إلى قوله) وتتمة الآيات: {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما. قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا. قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا. وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا. ثم أتبع سببا. حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا. كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا. ثم أتبع سببا.
حتى إذا بلغ بين السدين وجد دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا. قالوا
يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا. قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما}. (يسألونك) أي اليهود، وقيل زعماء المشركين. (ذكرا) شيئا من خبره. (مكنا له) جعلنا له السلطان. (وآتيناه)سهلنا عليه أمر السير في الأرض وأعطيناه أسباب كل شيء أراده من أغراضه ومقاصده في ملكه. (حمئة) حارة. (قلنا) أي ألهمه الله عز وجل ذلك. وقيل: كان نبيا، وكان ذلك القول وحيا له. (يسرا) قولا جميلا لينا. (سترا) أبنية يستترون فيها من الشمس، لأنهم كانوا في أرض لا يستقر عليها بناء. (بما لديه) من السلاح والعدة والعدد، أو بصلاحيته للحكم. (خبرا) علما. (يفقهون) يفهمون. (مكني) قواني به. (خير) أي مما ستعطونني. (ردما) سدا كبيرا وحاجزا منيعا. (الصدفين) طرفي الجبلين. (الصفر) الجيد من النحاس. (بعضهم) بعض الخلق، أو بعض يأجوج ومأجوج. (يومئذ) يوم القيامة، أو يوم فتح الردم. (يموج) يضطرب ويختلط وهم حيارى. (حدب) جانب وجهة. (ينسلون) يسرعون. (السد) سد يأجوج ومأجوج. (البرد) ثوب مخطط. (المحبر) له خطوط، خط أبيض وخط أسود أو أحمر].
[ش أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، رقم: 2880. (ويل) كلمة تستعمل للحزن والهلاك والمشقة. (ردم) سد. (حلق بإصبعه الإبهام والتي تليها) يعني جعل الإصبع السبابه في أصل الإبهام وضمها حتى لم يبق بينهما إلا خلل يسير، والمعنى: أنه لم يبق لمجيء الشر إلا اليسير من الزمن. (الخبث) الفسوق والفجور والمعاصي].
[ش أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، رقم: 2881. (تسعين) هو مثل قوله في الحديث قبله: حلق بإصبعه..].
[ش (لبيك) أنا ملازم طاعتك لزوما بعد لزوم. (سعديك) أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وإسعادا بعد إسعاد. (بعث النار) حزبها وأهلها. (فعنده) أي عند قول الله تعالى لآدم عليه السلام. (سكارى) جمع سكران، وهو الذي غطى أثر الشراب عقله، أي هم أشبه بالسكارى من شدة الأهوال، وليسوا سكارى حقيقة].