-3-13 – باب: في الهبة والشفعة.
وقال بعض الناس: إن وهب هبة، ألف درهم أو أكثر، حتى مكث عنده سنين، واحتال في ذلك، ثم رجع الواهب فيها فلا زكاة على واحد منهما. فخالف الرسول صلى الله عليه وسلم في الهبة، وأسقط الزكاة.
6574 – حدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه، ليس لنا مثل السوء).
6575 – حدثنا عبد الله بن محمد: حدثنا هشام بن يوسف: أخبرنا معمر، عن الزُهري، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله قال:
إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة.
وقال بعض الناس: الشفعة للجوار، ثم عمد إلى ما شدده فأبطله، وقال: إن اشترى داراً، فخاف أن يأخذ الجار بالشفعة، فاشترى سهماً من مائة سهم، ثم اشترى الباقي، وكان للجار الشفعة في السهم الأول، ولا شفعة له في باقي الدار، وله أن يحتال في ذلك.
6576/6577 – حدثنا علي بن عبد الله: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة: سمعت عمرو بن الشريد قال:
جاء المسور بن مخرمة فوضع يده على منكبي، فانطلقت معه إلى سعد، فقال أبو رافع للمسور: ألا تأمر هذا أن يشتري مني بيتي الذي في داري؟ فقال: لا أزيده على أربعمائة، إما مقطَّعة وإما منجَّمة، قال: أعطيت خمسمائة نقداً فمنعته، ولولا أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بصَقَبِه). ما بعتكه، أو قال: ما أعطيتكه.
قلت لسفيان: إن معمراً لم يقل هكذا، قال: لكنه قال لي هكذا.
وقال بعض الناس: إذا أراد أن يقطع الشفعة فله أن يحتال حتى يبطل الشفعة، فيهب البائع للمشتري الدار ويحدُّها، ويدفعها إليه، ويعوِّضه المشتري ألف درهم، فلا يكون للشفيع فيها شفعة.
(6577) – حدثنا محمد بن يوسف: حدثنا سفيان، عن إبراهيم بن ميسرة، عن عمرو بن الشريد، عن أبي رافع:
أن سعداً ساومه بيتاً بأبعمائة مثقال، فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الجار أحق بصقبه). لما أعطيتك.
وقال بعض الناس: إن اشترى نصيب دار، فأراد أن يبطل الشفعة، وهب لابنه الصغير، ولا يكون عليه يمين.
[ش (واحتال في ذلك) أي تواطأ الواهب مع الموهوب له على أن لا يتصرف في الهبة، ويرجعها إلى الواهب قبل تمام الحول عليها عنده، ثم يعود فيهبها إليه بعد مرور الحول، هكذا يتبادلان المال بينهما بحيث لا يمضي عليه حول كامل عند أحدهما، فلا تجب الزكاة. (فخالف الرسول..) في النهي عن الرجوع بالهبة. (وأسقط..) أي أضاعها على الفقير. وذكر الشراح أن البخاري رحمه الله تعالى أراد بقوله (بعض الناس) أبا حنيفة رحمه الله تعالى، ورد عليه العيني: بأن هذا الاحتيال لم يقل به أبو حنيفة ولا أصحابه رحمهم الله تعالى، وإن كانوا يقولون بجواز الرجوع بالهبة، فلذلك قيود وشروط، وأدلة يعتمد عليها، تحمي هذا الإمام وأصحابه رحمهم الله تعالى، من مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاحتيال للفرار من فريضة من فرائض الإسلام].
[ش (بعض الناس) أراد أبا حنيفة رحمه الله تعالى. (ما شدده..) ما أثبته من الشفعة للجار. وخلاصة المسألة: أنه إذا أراد أحد أن يشتري داراً، اشترى جزءاً منها، فيصير شريكاً لمالكها الأصلي، ثم يشتري باقيها، فيكون هو أولى بها من الجار لأنه شريك، فلا تثبت شفعة للجار.وأجاب العيني عن هذا بأنه لا تناقض ولا احتيال، لأن الشفعة للجار يستحقها بعد الشريك، والشريك أولى، على أن القائل بهذا أبو يوسف، وكرهها محمد، رحمهما الله تعالى]
[ش (بصقبه) ويروى. (بسقبه) وهو القرب والملاصقة، أي أحق ببره ومعونته وعدم إساءته، والمراد به هنا الشفعة. (يحدها) أي يصف حدودها التي تميزها. ويروى: (ونحوها) أي ونحو الدار، وهو أظهر كما قال الشراح].
[ش (وهب) أي ما اشتراه. (ولا يكون..) في تحقق الهبة وشروطها].