-3- 8 – باب: قصة البيعة، والاتفاق على عثمان بن عفان رضي الله عنه.
3497 – حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال:
رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام المدينة، وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال: كيف فعلتما، أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حملناها أمرا هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل. قال: انظر أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق، قال: قالا: لا، فقال عمر: لئن سلمني الله، لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدا، قال: فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب، قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذ مر بين الصفين قال: استووا، حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول: قتلني – أو أكلني – الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون، غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله سبحان الله، فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة ثم جاء، فقال: غلام المغيرة، قال: الصنع؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة – وكان العباس أكثرهم رقيقا – فقال: إن شئت فعلت، أي: إن شئت قتلنا؟ قال: كذبت، بعد ما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم. فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه، فخرج من جرحه، فعلموا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس، فجعلوا يثنون عليه، وجاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا علي الغلام، قال: ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك. يا عبد الله بن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال. انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر ابن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرن به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فادخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجت داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف، قال: ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر، أو الرهط، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء – كهيئة التعزية له – فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.
وقال: أوصي الخليفة من بعدي، بالمهاجرين الأولين، أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم، أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدو، وأنلا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم. وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب، ومادة الإسلام، أن يؤخذ من حواشي أموالهم، ويرد على فقرائهم، وأصيه بذمة الله تعالى، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفوا إلا طاقتهم.
فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلم عبد الله بن عمر قال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف. فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر، فنجعله إليه والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلى الله علي أن لا آلو عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذبيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان، فبايعه، فبايع له علي، وولج أهل الدار فبايعوه.
[ش (كيف فعلتما) في أرض سواد العراق. (أتخافان) هل تخافان. (حملتما الأرض) فرضتما على أهلها، وكان قد بعثهما ليضربا الخراج والجزية على أهلها. (ما فيها كبير فضل) ليس فيها زيادة كثيرة. (أرامل) جمع أرملة، وهي من مات زوجها. (غداة..) صبيحة طعنه. (الكلب) أراد به المجوسي الذي طعنه. (العلج) هو الرجل من كفار العجم. (برنسا) كساء يجعله الرجل في رأسه. (يليه) يقرب منه ويأتي في الصف خلفه. (الصنع) الصانع، وكان نجارا، وقيل: نحاتا للأحجار. (رقيقا) مملوكا. (كذبت) أخطأت في قولك. (بنبيذ) نقيع التمر والزبيب، قبل أن يشتد ويصبح مسكرا. (جوفه) أي من جرحه مكان الطعنة تحت السرة. (قدم) فضل، وفي رواية (قدم) أي سبق في الإسلام. (كفاف) هو الذي يكون بقدر الحاجة ولا يفضل عنه شيء. (ابن أخي) يا ابن أخي في الإسلام. فرضي الله عنك، ولله درك، يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! فإنك لم يشغلك ما أنت فيه من سكرات الموت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين. (أنقى لثوبك) أي أطهر، وفي رواية الكشميهني: وأبقى، أي فإنه لطوله يبلى بوقت قصير. (أتقى لربك) فإنه أبعد عن الخيلاء عندما يكون قصيرا، وأبعد أيضا عن التلوث بالنجاسات. (قضيت) خرجت روحي ومت. (فولجت) دخلت. (داخلا لهم) مدخلا لأهلها. (ليس له من الأمر شيء) أي لا يكون هو الخليفة. (كهيئة التعزية له) قيل: هذا من كلام الراوي وليس من كلام عمر رضي الله عنه. (أصابت الإمرة سعدا) اختير هو للإمارة، والمراد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. (فهو ذاك) أي فهو أهل لها، وجدير بها، وقد صادفت محلها. (الأمصار) البلدان الإسلامية التي فتحت، جمع مصر. (ردء الإسلام) عونه الذي يدفع عنه، ويمده بالقوة. (جباة المال) هم الذين يجمعون الأموال منهم ويقدمونها للدولة الإسلامية. (غيظ العدو) يغيظون الأعداء بكثرتهم وشوكتهم. (فضلهم) ما فضل عن حاجتهم. (مادة الإسلام) أي الذين يعينون المسلمين ويكثرون جيوشهم، ويتقوى بزكاة أموالهم، وكل ما أعنت به قوما في حرب أو غيره فهو مادة لهم. (حواشي أموالهم) الوسط التي ليست خيرها وليست أسوأها. (من ورائهم) يدافع عنهم. (تبرأ من هذا الأمر) أعلن أنه لا يرغب أن يكون هو الخليفة. (فنجعله إليه) نكل أمر اختيار الخليفة إليه. (والله عليه والإسلام) الله رقيب عليه يحاسبه على فعله، والإسلام حاكم عليه بأحكامه. (لينظرن أفضلهم في نفسه) ليفكر في نفسه، وليختر الذي يراه الأفضل من غيره. (الشيخان) علي وعثمان رضي الله عنهما. (لا آلو) لا أقصر في اختيار أفضلكم. (أحدهما) هو علي رضي الله تعالى عنه. (خلا بالآخر) انفرد به، وهو عثمان رضي الله عنه. (الميثاق) العهد، والظاهر أنه أخذ العهد من الجميع. (ولج أهل الدار) دخل أهل المدينة، بعد مبايعة أهل الشورى].